الطاقات المتجددة رهان الجزائر الجديدة نحو مستقبل آمن
إمكانيات هائلة تضع الجزائر في مصاف الدول التي يعول عليها لبناء شراكات قوية مع الدول الكبرى
استثمارات ضخمة لرفع نسبة إستعمال الطاقات المتجددة إلى 30% خلال 2035
لم يبق الأمن الطاقوي يقتصر على التعريف القديم وهو ماتملكه الدول من مكامن في الطاقة الأحفورية فمع ظهور الطاقات المتجددة أصبح الإنتقال الطاقوي في الجزائر حتمية وظروري لتعزيز الأمن الطاقوي خاصة مع الإرتفاع المستمر لاستهلاك الطاقة حيث تأتي كمكمل للطاقات الأحفورية، لرفع نسبة الطاقات المتجددة من 2الى 30بالمئة في غضون 2035 مع إنتاج 15000ميغا في الإستراتيجية الوطنية التي تبنتها الجزائر الجديدة حتى تكون الأجيال القادمة في مأمن.
سعاد شابخ
الأمن الطاقوي بمفهومه الجديد أصبح له مكانة وأهمية بالنسبة لجميع الدول، و الذي يشمل ” أمن الطاقة ” هذا الأخير الذي يهدف إلى إتاحة الطاقة بجميع مصادرها الأحفورية والمتجددة للجميع، و على هذا أولت له الدولة الجزائرية في السنوات الأخيرة اهتماما بالغا نظرا لما يمثله من أهمية على المستوى الداخلي للبلاد و كذا على المستوى العالمي، بعد أن أصبحت معظم الحروب تقوم لضمان الأمن الطاقوي وصار يمثل جوهر السياسات العليا للدول وصلب الإستراتيجيات الأمنية لها، والجزائر باعتبارها بلدا طاقويا بامتياز لما تملكه من ميزات جيوطاقوية جمعت ما بين قدرات هامة من مصادر أحفورية وأخرى متجددة و موقع متميز، يسمح لها أن تلعب دورا محوريا داخل سوق الطاقة العالمي بما يخدم مصالحها على المستويين الإقليمي و الدولي.
الإستراتيجية المتكاملة للدولة الجزائرية بالمزج بين الطاقات الأحفورية و الطاقات المتجددة ستمنحنا مستقبل آمن
يقول الدكتور الجامعي والمختص في الطاقات المتجددة زين العابدين بومليط أن الأمن الطاقوي ببعده الاقتصادي البيئي وعلاقته بالأمن المائي والغدائي هدا كله يدخل في الأمن القومي، إذ لم يصبح أمن الطاقة متعلقا بتأمين الدولة لما تمتلكه من إحتياطاتها الأحفورية فحسب، بل أصبح ضرورة مواكبة تطورات العصر، التي أصبح فيها الأمن الطاقوي يتجاوز هذا المفهوم التقليدي ببروز الطاقات المتجددة كإستراتيجية طاقوية جديدة في العالم، تستطيع التحكم في جيوسياسية العالم مستقبلا، تحت مايسمى “بالإنتقال الطاقوي المستدام”، فأصبح على إثر ذلك الإنتقال الطاقوي مبتغى عالمي إنتهاج سياسات طاقوية جديدة، و كذا إعتماد إسترايجيات فعالة في تطبيقها، على الرغم من التحديات الجيوإستراتيجية التي يقتضيها رهان تحقيق هذا الإنتقال، الذي يعتبر خيارا إستراتيجيا، و ليس حلا جذريا لضمان أمن طاقوي فعلي، حيث أنه بالرغم من أهمية الطاقات المتجددة كإستراتيجية طاقوية عالمية جديدة، فستبقى الطاقات الأحفورية – خاصة منها النفط- لها ثقلها الأمني و الإقتصادي في الساحة الدولية، على الأقل في القرن الواحد و العشرين، و أن الطاقات المتجددة تعتبر المكمل للطاقات الاحفورية ما تعلق الأمر بتحقيق الأمن الطاقوي القومي، و عليه فإن تحقيق أمن طاقوي في الجزائر في الوقت الراهن، سينجح فقط بالمزج بين الطاقات الأحفورية، و الطاقات المتجددة، و ذلك بوضع إستراتيجية متكاملة، وهذا ما تقوم به الجزائر في السنوات الأخيرة.
ويضيف بومليط أن قضية أمن الطاقة أصبحت أحد أكثر القضايا تعقيداً وأهمية في العصر الحالي. لم يعد الأمر مقتصراً على تأمين مصادر الطاقة الأحفورية التقليدية فقط، بل أصبح هناك توجه نحو التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والاستدامة. هذا التحول يتعدى البعد الوطني ليصبح تحدياً عالمياً يتعلق بالأمان والاقتصاد والبيئة، إذ يجب فهم أن أمن الطاقة لم يعد مجرد قضية وطنية إنه أصبح تحدياً دولياً يؤثر على استقرار العالم بأسره حيث تتعلق هذه القضية بالتوازن الإقتصادي والسياسي والبيئي. فعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بالسياسة، يمكن للدول المنتجة للنفط أن تمتلك نفوذاً كبيراً في العالم وتستخدم هذا النفوذ لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. وهذا يجعل الدول التي تعتمد على استيراد الطاقة تأتي تحت تأثير مباشر لهذه الدول.
للإشارة تتمتع الجزائر من بين الأكبر كمونات في الطاقة الشمسية يصل الى3900 ساعة في السنة وسرعة الرياح التي تزيد عن 7م/ث مثلا ادرار الاغواط والجلفة زيادة عن دلك الطاقة الجوفية الحرارية باكثر من 280منبع حراري زد على دلك الكتلة الحيوية التي يمكن تحويلها الى غاز مثال محطة واد السمار لصناعة البيوغاز ، كما أن مشروع انجاز 15 جيغا واط من شانه دعم هدا الامن الطاقوي في غضون 2035، ولقد تم مؤخرا فتح الاضرفة لانجاز 2جيغا اي 2000 ميغا على مستوى عدة ولايات منها بشار الاغواط بسكرة مسيلة باتنة برج بوعريريج والدي ستمس ولايات اخرى مثل واد سوف تقرت ورڨلة غرداية.
استعمال الطاقات المتجددة يحافظ على الطاقة الأحفورية ويحقق مداخيل للجزائر على المدى البعيد
ذكر الدكتور عبد الغني شوشة بعض الأرقام فيما يخص الطاقات المتجددة، حيث إرتفع رقم الإنتاج إلي حوالي 600 ميغاوات إلى غاية نهاية ديسمبر 2022، تقریبا حوالي 430 ميقاوات متصلة بالشبكة الوطنية و 38 الی 40 ميقاوات خاج الشبكة الوطنية.
وفيما يخص مدى استعمال الطاقات المتجددة في الجزائر يقول شوشة أن حوالى 450 ميقاوات المربوطة بالشبكة متمحورة في الإستعمال العادي، أما الباقي متمحور مثلاً في الاتصالات، ضخ الماء للأبار الخاصة بالفلاحين الصغار والبدو الرحل، وقي مقارنة للإنتاج نلاحظ أن إستعمال الطاقات المتجددة في الجزائر عرف في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا ، وحتى بالنسبة للإستثمارات في الجزائر من 2010 إلى 2023 كانت في البداية تسير ببطئ وبعضها توقف إلى أنه مؤخرا عرفت حركية كبيرة بعد أن أولت الدولة اهتماما كبيرا لهذا النوع من الطاقة تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
وتتوقع بعض التقارير لشركة شمس المملوكة للدولة الجزائرية والتي تشرف على مشروع سولار 1000 إرتفاع استخدام الطاقات المتجددة، هذه المعطيات تؤكد ان الجزائر بدأت تأخذ بعين الإعتبار الطاقة الموجودة في الجنوب والتي لم تستغل کما يجب سابقا، لكن مع هذه الإرادة السياسية للدولة سنتمكن من التطور في هذا المجال.
ويشدد الدكتور شوشة على ضرورة تشجيع الدولة لاستعمال الطاقات المتجددة والتفكير في إنتاج الألواح الشمسية أيضا خاصة بالنسبة للطاقة الكهربائية، فمع استعمال الطاقات المتجددة سوف نحافظ على الطاقة الأحفورية من جهة، ومن جهة اخرى تحقيق الإكتفاء ومن ثم التصدير وتحقيق مداخيل للجزائر.
الأحداث التي يعيشها العالم أكدت صحة خيارات الجزائر بالتوجه نحو الطاقات المتجددة كمعزز للأمن الطاقوي
يؤكد البروفيسور علي شقنان أن الانتقال الطاقوي في الجزائر ينهج نموذج نسميه النموذج “السلس والتدريجي” لأن الجزائر وكما هو معلوم لديها مصادر من الطاقات الأحفورية يجعلها في مراتب جد مشرفة وبالتالى يجب أن نستغل هذه المصادر أحسن استغلال وبذكاء، وفي نفس الوقت التحضير للمستقبل الذي هو للطاقات المتجددة بالتحفيز والتطوير، وعندما نتكلم عن الإستثمارات التي قامت بما في الجزائر في مجال الطاقات المتجددة نلخصها في مشروع 22 ألف ميغاوات الذي انطلق بين 2011 و2014 وكان يهدف إلى توليد الكهرباء من المصادر المتجددة بنسبة 27 بالمائة، لكن للأسف لم يخط خطوات صحيحة وتعثر و لم ينجر منه إلا القليل إلا أنها فی السنوات الأخير عرف انطلاقة قوية حيث بدأ العمل عليه بشكل جدي وفق إستراتيجية واضحة تصل بالجزائر الى تحقيق أمنها الطاقوي في غضون 2035، فهذه المشاريع عبارة عن مؤشرات تؤكد وجود أمل كبير بان تكون الجزائر قطبا لاقويا ممیزا الاقليم وكذلك في العالم،
ويضيف شقنان أن استعمال الطاقات المتجددة في الجزائر لا يمثل حاليا سوى 05% نذكر على سبيل المثال الكهرباء التي تعتمد بنسبة 95% على الوقود الاحفوري، لكن بعد إنجاز هذه المشاريع سترتفع النسبة، وهناك أيضا مشروع الهيدروجين الأخضر فالجزائر وضعت ثقلها كاملا في هذا المشروع، فكما هو معروف وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الطاقوية، العالم اليوم التفت نحو المصادر المستدامة والنظيفة لاسيما الهيدروجين الأخضر الدي أصبح ناقل طاقوي يعول عليه، وكل الدول تسعى الى تطوير هذه الشعبة بأسعار تنافسية، والجزائر لها كل المؤهلات بان تصبح قطبا في هذا المجال، و من خلال الشراكات التي بادرت بها مع الدول الرائدة في مجال الهيدروجين الأخضر تؤكد أن الجزائر تريد الإستثمار فى هذا المجار لأغراض إستهلاكية أولاد، من ثم التصدير لا سيما نحو الاتحاد الاوروبي عير بوابة إيطاليا وهذا ما يعمل عليه رئيس الجمهورية.
الجزائر ليست إستثناءا مما يجري في العالم والتوجه نحوه ضرورة أكثر من إختيار
تحدث عبد الرحمان بوثلجة أستاذ باحث ومهتم بالشؤون الوطنية و الدولية” عن الأبعاد الجيوسياسية للإنتقال الطاقوي كون الجزائر بلد مصدر للطاقة من بترول وغاز ومشتقات طاقوية أخرى نحو عدة دول في العالم خاصة اوروبا، والاقتصاد الجزائري إعتمد منذ أمد طويل على مداخبل المحروقات، ورغم أن هناك مجهودات لتنوبع الصادرات الجزائرية، والتي وضع لها في العام الماضي رقم 7 ملايير دولار وهذا العام 13 مليار دولار، إلا أن مداخيل المحروقات هي الغالبة على مداخيل الجزائر من العملة الصعبة، يضيف بوثلجة أنه ٱذا اخذنا في الحسبان أن إحتياطات الجزائر من البترول محدودة وستنفذ في المستقبل حسب تقديرات الخبراء، وجب البحث عن بديل للطاقة الاحفورية، والحل هو الطاقات المتجددة الصديقة للبيئة. وفي الحقيقة العمل على تطوير الطاقات المتجددة في بلادنا بدأ منذ سنوات لكن لم تظهر نتائجه جليا، في حين تم التركيز عليه أكثر في السنوات الاخيرة بتأسيس وزارة للإنتقال الطاقوي، وحتى في الجامعات تم فتح تخصصات في مختلف فروع الطاقات المتجددة، إبتداءا من الطاقة الشمسية، إلى الهيدروجين الاخضر، ما يمكننا من الحديث بكل ثقة عن الأمن الطاقوي.
وبعتقد بوثلجة أن إستحداث وزارة مستقلة للإنتقال الطاقوي هو وحده دليل على الأهمية التي توليها الدولة لتطوير الإستثمار في الطاقات المستدامة، والأمن الطاقوي بالإضافة إلى الأمن الغذائي وصحة المواطن أصبح من المحاور الإستراتيجية الكبرى للدولة الجزائرية، حيث يعمل عليها على كل المستويات، سواءا من خلال الإستثمار أو من خلال البحث والتطوير، وقرارات مثل هذه ستكون لها نتائج إيجابية في المستقبل إذا ما تكاتفت جهود جميع المتدخلين، وهنا أقصد الاقتصاديين، الخبراء والباحثين و الهيئات والإدارات المعنية، وإذا تم تنفيذ البرامج المسطرة بفاعلية في الميدان.
والأحداث التي نعيشها في عالم اليوم أثبتت صواب القرارات التي اتخذت في هذا المجال. فمثلا بعد بداية الأزمة الأوكرانية وفرض مجموعة السبع والاتحاد الاوروبي عقوبات على روسيا، وهي من أكبر الدول المصدرة للمحروقات في العالم اتجهت الدول الاوروبية إلى بحث عن بدائل للبترول والغاز الروسي، وكانت من بينها الجزائر، التي وقعت عقودا جديدة مع إيطاليا لتصدير الغاز، ووقعت مع نيجريا والنيجر على إنجاز خط نيغال من أجل تصدير 30 مليار متر مكعب من غاز نيجيريا إلى أوروبا، لكن الدول الاوروبية إتجهت إلى بدائل أخرى مثل ألمانيا التي تعمل على تطوير طاقات المتجددة والهيدروجين الاخضر، وكل هذا يبين أن الاعتماد على المحروقات الاحفورية من أجل الإستهلاك والتصدير قد يكون أمرا خطيرا في المستقبل. فبلإضافة إلى أن سوق المحروقات غير مستقرة وتعتمد على الطلب من الدول المستهلكة مثل الصين و الهند، وتخضع أسعارها للعديد من العوامل وتتأثر بما يحدث في العالم من أزمات، نجد أن الدول البترولية الكبيرة مثل روسيا والسعودية اتجهت بالفعل إلى تنويع مصادر الطاقة، ووضعت لذالك برامج مرحلية تعمل على إكمال تنفيذها في الأجال المحددة، لذالك فالجزائر ليست إستثناءا في هذا الأمر، والتوجه في هذا الاتجاه بالنسبة لبلادنا يعتبر ضرورة أكثر من إختيار.