الإِحْسَانُ مِنْ صِفاتِ الله عز وجل
من معاني الإحسان التفضل والإنعام على الغَيْر، وهو زائد على العدل. ومن معانيه كذلك الاتقان والإحكام، وهذان المعنيان لله عز وجل الغاية منهما، فالله سبحانه هو المتفضل حقا على عباده ومخلوقاته، فهو الذي خلق ورزق، وهو الذي يجزي المحسنين بأفضل مما قدموا وأعطوا، فيجزي على الحسنة بعشر أمثالها، ولا يجزي على السيئة إلا بمثلها وقد يعفو، والله سبحانه هو المتقن الحكيم، فلا يعمل عملاً إلا كان في غاية الحكمة والإتقان والإحكام، فانظر إلى خلْق الإنسان والحيوان، والأرض والسماوات وجميع المخلوقات، تجد إتقان خلْقها جلياً ساطعا، ويدل دلالة واضحة على عظمة الخالق وحكمته وإتقانه.
ومن أسماء الله تعالى المُحْسِن، والمُحْسِنُ هو الكثير الإحسان والنفع، فهو سبحانه مُحْسنٌ كَرِيم، بَرُّ جواد، لا ينقطع إحسانه عن الخَلْق، شَمِلَ وعمَّ رزقه وكَرَمُهُ جميع المخلوقات، يبدأ بالنعمة قبل السؤال، ويرزق من يشاء بغير حساب، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(آل عمران:37)، وقال تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(النور:38). ومن إحسانه سبحانه أنه يضاعف ويزيد بإحسانه الأجر للعباد بغير حساب، قال تعالى: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(آل عمران:148).. وقد أمر سبحانه بالإحسان فقال: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة:195).
ـ وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حكمتُم فاعدِلوا، وإذا قتلتُم فأَحسِنوا، فإنَّ اللهَ مُحسنٌ يحبُّ المحسِنين) رواه الطبراني وحسنه الألباني.
في هذا الحديثِ يُبَيِّنُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ اللهَ عز وجل كَتبَ الإحسانَ على كُلِّ شيءٍ، يَعني: أنَّ الإحسانَ لَيس خاصًّا بشَيءٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الحياة، بل هُو في جَميعِ الحياة. ثُمَّ بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم أنَّ مِنَ الإحسانِ إلى ما يُذبَحُ أنْ يُحِدَّ الذَّابحُ شَفرتَه، وهي السِّكِّينُ الَّذي سيَذبَحُ به، وأنْ يُريحَها عِندَ الذَّبحِ إلى غير ذلك مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الحديثِ: الحثُّ على الإحسانِ في كُلِّ شَيءٍ، لأنَّ اللهَ تعالى كتب ذلك، أي: شَرَعَه شَرعًا مُؤَكَّدًا. قال الصنعاني: “في الأمر بالإحسان للقتلة إرشاد إلى أن الإحسان في غيرها بالأولى.. وهو من التنبيه بالأعلى على الأدنى وهو كثير سنة وكتابًا (فإن الله محسن يحب المحسنين)”. وقال المناوي: “(فَإِن الله محسن يحبّ الْمُحْسِنِين) أَي: يرضى عَنْهُم ويجزل مثوبتهم وَيرْفَع درجتهم”.
من صفات الله عز وجل التي وصف نفسه بها نفسه الإحسان، فالله سبحانه وتعالى هو المحسن الذي أحسنَ إلى جميع الخلق بنعمة الإيجاد والرزق والإمداد، وأنعم على المؤمنين بنعم كثيرة أخرى، ومنها نعمة الإسلام والإيمان والهداية، وهذا أعظم الإحسان والإنعام. قال ابن القيم في “مدارج السالكين”: “واسم البرّ المحسن المعطي المنان ونحوها: تقتضي آثارها وموجباتها”. وقال المناوي في “فيض القدير”: “الإحسان له وصفٌ لازمٌ، لا يخلو موجودٌ عن إحسانه طَرْفةَ عين، فلا بدَّ لكل مُكوَّن من إحسانه إليه بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد”. وقال الزجاج في “تفسير أسماء الله الحسنى”: “.. وصف الله يُفِيد أَنه المحسن إِلَى عباده فِي خَفَاء وَستر من حَيْثُ لَا يعلمُون، ويسبب لَهُم أَسبَاب معيشتهم من حَيْثُ لَا يحتسبون وَهَذَا مثل قَول الله تَعَالَى {وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب}(الطلاق:3)”. وفي “تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد”: “والله تعالى هو المحسن المنعم على الإطلاق، الذي ما بالعباد من نعمة فمنه وحده، كما قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}(النحل:53)”.
إعداد: صفية. ن