الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية .. تغير في المواقف وتصريحات لا محل لها من الإعراب 

لطالما كان الخطاب السياسي في الجزائر خلال الحملات الانتخابية، أكبر إشكالية يمكن أن تواجه المترشحين في اختيار الكلمات و العبارات التسويقية لإقناع الجماهير و حصد أصواتهم،  خصوصا في ظل المرحلة الحالية التي تعيشها البلاد، وماسبقها من تطورات و تغيرات على الساحة السياسية و الاجتماعية و التي أدت إلى إرتفاع حجم الوعي لدى المواطنين، وهو مايجعل الخطاب التقليدي لا محل له في هذه الحملة التي تميزت في أسبوعها الأول بحالة من الجمود و الحضور المحتشم للجمهور في القاعات، بل حتى أن بعض الأحزاب تنشط “افتراضيا” أكثر من الواقع، فأغلب التجمعات وصفت بالصغيرة وقليلة الحضور، كما أن الأسبوع الأول من الحملة بين أن الأحزاب السياسية “التقليدية ” هي الأخرى عجزت في الكثير من الأحيان بملئ القاعات.

تغير في المواقف و مهاجمة الحراك الشعبي 

المتابع لخطابات رؤساء الأحزاب و الكتل السياسية خلال الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية، يلاحظ مدى تغير في مواقف بعض رؤساء الأحزاب الذين كانوا يدافعون عن الحراك الشعبي بل حتى أنهم شاركوا فيه وكانوا من بين الداعمين له، فإن كانت الأحزاب الموالية للنظام السابق تنتقد الحراك فسببها واضحة لكونها أنها عزلت سياسيا، وفقدت الكثير من شعبيتها ومصداقيتها، أما الأحزاب المعارضة و التي كانت دائما في الصفوف الأولى للحراك وتبارك جميع مكوناته السياسية و المدنية، تظهر اليوم في دور الناقد لجميع خيارات الشعب في التظاهر ورفض المطالب المرفوعة والتي منها الانتخابات التشريعية.

ولم يفوت الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، الطيب زيتوني، فرصة الحملة الانتخابية لمهاجمة الحراك الشعبي، حيث فتح النار على “أقلية” قال أنها تنشط في الحراك الشعبي في الجزائر العاصمة، والذي وصفهم “بجماعة البريد المركزي” و الذي قال أنهم مدعومون  من أيادي خارجية ولهم أجندات أجنبية تريد فرض المرحلة الانتقالية، كما وصف زيتوني مسرات الحراك  بـ”المظاهرات غير المسؤولة”، على خلفية الشعارات التي ترفع فيها، معتبرا في ذات السياق أنه تم استغلال  فيها المواطن والحراك للطعن في الجيش والمقومات الوطنية، وهدفها إلحاق الضرر بالوطن”،مشيرا إلى  أن “الحراك المبارك لُوِّث بسموم بعض المخابر الأجنبية، التي تطعن في الجيش وتريد إلحاق الأذى بالوطن لمصلحة مستعمر الأمس فرنسا”.

من جهته الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، أبو الفضل بعجي، إنتقد الحراك الشعبي واعتبره بأنه يهاجم مؤسسات الدولة وتسعى للنيل منها وجر البلاد نحو المجهول و المرحلة الانتقالية،  ورفض الانتخابات كخيار أساسي في إعادة تنظيم مؤسسات الدولة، تأتي تصريحات بعجي هذه على خلفية حمل شعارات في الحراك تطالب بحل حزب ” الأفلان” الذي لطالما ارتبط إسمه وإسم قيادية بالسلطة والنظام السابق.

رئيس حركة البناء الوطني، هو الآخر شارك في عملية الثأر من الحراك الشعبي وهو الذي كان من أشد الداعمين له، حيث نعت المشاركين في المسيرات الأخيرة “بأصحاب الأجندات المشبوهة” التي تسعى إلى محاولة تفكيك الجبهة الداخلية للوطن وزعزعة التماسك الاجتماعي، وكذا الاستحواذ على الحراك الشعبي ، ومحاولة الأجندات إدخال الوطن وشعبه في نفق مظلم، وكذا تحويل الحراك من مطالب سياسية إلى حراك يفرق بين الجزائريين ويهاجم المؤسسات الدستورية، لتوفير مناخ للمغامرة في مرحلة انتقالية”، وهي النقطة التي يتشارك فيها عبد القادر بن قرينة مع رئيس جبهة المستقبل، عبد العزيز بلعيد، الذي قال أن هناك مطالب ترفض خيار الانتخابات، واصفا أصحاب هذه المطلب  بـ”رافعي شعار النظرة القاتمة والتشكيك في جدوى الانتخابات”.

تصريحات وخرجات لا محل لها من الإعراب 

في ظل غياب الخطاب السياسي الجاد وافتقار أغلبية  الأحزاب إلى برامج حقيقية تعرض على المواطنين، ومع وجود ميثاق أخلاقيات العملية الانتخابية الذي يتضمن التعهد بالالتزام بالضوابط والأطر القانونية و الأخلاقية التي تحكم سير العملية الانتخابية، ويلزم المترشحون بالحرص دوما على الإدلاء بتصريحات واقعية للجمهور، والامتناع عن التلفظ بعبارات القذف والشتم والسب تجاه أي مترشح آخر أو أحد الفاعلين بالعملية الانتخابية، مع التعهد بـ “الامتناع عن الإدلاء بأي تصريحات تنطوي على تشهير وشتائم وإهانات تجاه مرشح آخر أو طرف في العملية الانتخابية بأي تصريحات أخرى مغلوطة، لجأت مختلف التشكيلات إلى تصريحات لا تحمل أية معنى بل حتى أنها وصفت بكلام الشارع في بعض الحالات.

“جبنالكم ليفراز  سيلكسيوني” ! 

 ومن بين هذه الخرجات نجد تصريح غريب لرئيس حزب الحكم الراشد، عيسى بلهادي،  بخصوص ترشيحه لعدد كبير من “الحسناوات” لتشريعيات الـ12 جوان، حيث قال  “جبنالكم ليفراز  سيلكسيوني” ! في إشارة منه إلى أنه تم إستقطاب طاقات وكفاءات شبابية “ونسوية” و لم يتم التركيز فقط على الجانب الشكلي، مضيفا أن “الفراولة” التي استقطبها حزبه لاتشبه تلك التي تصدر إلى إفريقيا..!

بسكرة مقدسة بعد الحرمين الشريفين !

هي إحدى التصريحات التي أطلقها الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي الطيب زيتوني، خلال تنشطيه حملته الانتخابية في ولاية بسكرة، فيبدو أن المسؤول الحزبي، لم يجد محاسن أخرى أعظم من أن مدينة بسكرة مقدسة بعد الحرمين الشريفين، لجذب واستقطاب مواطنو الولاية للتصويت على حزبه، مستشهدا بذلك بكونها أنها تضم قبر الصحابي الجليل عقبة بن نافع.

بشار للبُشرة..! 

رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، لم يفوت  تواجده في ولاية بشار للتغزل بها وبإنجازاتها التاريخية، حيث أشار إلى أن مدينة بشار سميت بهذا الإسم للبُشرة، فربما يكون مقري بستبشر بتواجده بولاية بشار في حصد أكبر قاعدة جماهيرية خلال التشريعيات، وأضاف في هذا الصدد أن بشار  اعجزت جنرالات فرنسا وهزمتها هزيمة كبيرة.

خُلقنا لنحكم ..!

عبارة أطلقها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني،  خلال التجمع الذي نظمه بولاية المدية في إطار حملته الانتخابية، معتبرا  أن حزب الأفلان حافظ على مكانته الريادية و يبقى دائما قطعة أساسية من المشهد السياسي في الجزائر، قائلا بهذا الخصوص: ” أينما نقف نحن يبدأ الصف، خلقنا لنسود ونحكم”، يأتي هذا بالرغم من كثرة الانتقادات التي تطاله شخصيا كأمين عام للحزب سواء من طرف الشعب أو من طرف بعض القياديين في الحزب الذين كانوا قد دعوا في مرات عديدة إلى إسقاطه من على رأس الأفلان.

تصريحات بعجي هذه قد تكون بمثابة جرعة أمل يعطيها لقيادي الحزب و بعض الأوفياء الذين لا زالوا يتشبثون به رغم تراجع شعبيته الكبيرة خصوصا مع بداية الحراك الشعبي وتحديده ضمن قائمة الأحزاب  السياسية الموالية و المحسوبة على  النظام السابق.

لاشك أن للخطاب السياسي خلال الحملة الانتخابية، يعد “السلاح” الوحيد الذي يمكن الأحزاب السياسية و المترشحين من كسب أكبر قاعدة جماهيرية  أكبر عدد ممكن من الأصوات،  إلى أن الكل يجمع على أن الخطاب المعتمد في الحملة الحالية لا يختلف عن الخطابات المعتادة  التي عرفتها الجزائر منذ عقود والتي غالبا ما تنحصر في “بيع الوهم” للمواطن ووعود فضفاضة، أو بإستعمال “لغة الشارع”، حيث يرى مراقبون أن إستمرار نفس الخطاب في الأسبوع الثاني من الحملة سيزيد من العزوف الانتخابي، خصوصا في ظل غياب معالجة حقيقية من طرف المترشحين لظاهرة  العزوف، والابتعاد عن انشغالات المواطنين.











اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *