جهود حثيثة لضمان انتظام تزويد سكان الجزائر العاصمة بمياه الشرب

في مسعى جاد لضمان تزويد سكان ولاية الجزائر بمياه الشرب بشكل منتظم ومستدام، أطلقت السلطات العليا في البلاد سلسلة من المشاريع والإصلاحات الهامة. وقد تبنت ولاية الجزائر العاصمة استراتيجيات عصرية ودمجت تقنيات متطورة بهدف أساسي هو تأمين الاحتياجات المائية المتزايدة لسكان العاصمة، وتحقيق توازن فعّال بين حجم المياه المتاحة والطلب المتزايد عليها، خاصة في ظل التحديات المناخية والهيكلية المعقدة التي تواجهها المنطقة الحضرية الكبرى.

سميحة.م

 

تُمثل محطات تحلية مياه البحر حجر الزاوية في استراتيجية الجزائر العاصمة لتعزيز أمنها المائي المستدام. ففي ظل التحديات المتزايدة التي تفرضها التغيرات المناخية وشح الموارد المائية التقليدية، برزت هذه المحطات كحل استراتيجي فعال لتوفير مصدر بديل وموثوق للمياه الصالحة للشرب. تعتمد هذه التقنية على معالجة مياه البحر المالحة وتحويلها إلى مياه نقية وعذبة، قابلة للاستهلاك البشري وللاستخدامات الأخرى. وتستثمر الجزائر العاصمة بشكل كبير في إنشاء وتوسيع هذه المحطات، وتجهيزها بأحدث التقنيات لضمان كفاءة العمليات وتقليل الأثر البيئي. وتساهم هذه المحطات بشكل مباشر في زيادة حجم المياه المتاحة وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية التي تتأثر بشكل كبير بتقلبات الطقس وفترات الجفاف. ومن المتوقع أن تستمر أهمية محطات تحلية المياه في الازدياد مستقبلًا، لتصبح مكونًا أساسيًا في تلبية الاحتياجات المائية المتنامية لسكان العاصمة وضمان استدامة هذا المورد الحيوي للأجيال القادمة.

 

مشاريع تحلية المياه: خيار استراتيجي لمواجهة ندرة المياه

 

تبرز محطات تحلية وتصفية المياه كإحدى أبرز الجهود الميدانية التي تبذلها الدولة لضمان استدامة توزيع المياه في الجزائر العاصمة. وقد أضحى هذا الخيار استراتيجياً لمواجهة النقص المتزايد في الموارد المائية التقليدية. وتُعد محطة الحامة، الواقعة في قلب العاصمة، من بين أقدم وأهم هذه المحطات، حيث بدأت عملياتها التشغيلية في عام 2008. تتميز المحطة بطاقة إنتاجية تصل إلى حوالي 200 ألف متر مكعب يوميًا، وتلعب دورًا حيويًا في تزويد ما يزيد عن 1.5 مليون نسمة من سكان العاصمة بمياه الشرب ذات الجودة العالية.

وفي إطار تعزيز القدرات الإنتاجية لتلبية الطلب المتنامي، شهد قطاع المياه تدعيمات إضافية من خلال دخول محطات جديدة حيز الخدمة. ففي سنة 2021، بدأت محطة برج الكيفان عملها بطاقة إنتاجية تقدر بـ 10 آلاف متر مكعب يوميًا، لتتبعها في سنة 2022 محطة المرسى التي أضافت 60 ألف متر مكعب يوميًا إلى القدرة الإجمالية. وقد ساهمت هذه المشاريع الجديدة بشكل ملحوظ في تخفيف الضغط على الشبكة الرئيسية لتوزيع المياه في العاصمة.

 

تعزيز الإمداد المائي من الولايات المجاورة

 

لم تقتصر الجهود على مستوى العاصمة فقط، بل امتدت لتشمل الولايات المجاورة التي ساهمت في دعم منظومة المياه في الجزائر. ففي ولاية بومرداس، تم تدشين محطة قورصو التي تنتج حوالي 80 ألف متر مكعب يوميًا. وتُعتبر محطة كاب جنات في نفس الولاية من بين أكبر المحطات على المستوى الوطني، حيث تبلغ طاقتها الإنتاجية 300 ألف متر مكعب يوميًا، مما يعزز بشكل كبير إمدادات المياه للعاصمة والمناطق المحيطة بها. وعلى الجانب الغربي، ساهم تشغيل محطة فوكة 2 في ولاية تيبازة، والتي تتمتع بنفس الطاقة الإنتاجية (300 ألف متر مكعب يوميًا)، في تعزيز تزويد ولايات الجزائر، البليدة، وتيبازة بالمياه الصالحة للشرب.

 

تكامل الجهود بين السلطات والبلديات لتحسين خدمات المياه

 

حرصت السلطات المحلية لولاية الجزائر على تعزيز التنسيق والتعاون الوثيق مع البلديات المحلية بهدف تحقيق تحسين ملموس في خدمات المياه والصرف الصحي، لا سيما في الأحياء التي تعاني من تحديات هيكلية في بنيتها التحتية. وتُعد البلديات شريكًا أساسيًا في تنفيذ مشاريع إعادة تأهيل الشبكات، حيث تتولى مسؤولية إصلاح الشبكات المحلية المتهالكة، وصيانة المحطات الصغيرة التي تُعنى بتزويد بعض المناطق، خاصة القديمة والمعزولة، بالمياه.

وقد أثمر هذا التعاون المثمر في تعزيز القدرة على الاستجابة السريعة والفعالة للأعطال المفاجئة والتسربات التي قد تحدث في الشبكة، مما ساهم بشكل كبير في التخفيف من حدة الانقطاعات العشوائية للمياه التي كانت تؤرق السكان في بعض الأحيان. كما تعمل البلديات بشكل دؤوب على ضمان وصول المياه بانتظام إلى مختلف الأحياء السكنية، وذلك من خلال رفع تقارير ميدانية دورية تتضمن معلومات مفصلة حول وضع الشبكة والمشاكل المحتملة، ومتابعة الأعطال بالتنسيق المباشر مع المصالح التقنية التابعة للولاية.

 

علاوة على ذلك، ساهم هذا التكامل الفعال بين السلطات الولائية والبلديات في تسريع وتيرة إنجاز الأشغال المتعلقة بتطوير وتحسين شبكات المياه، وتحقيق تغطية أوسع لخدمات المياه في المناطق التي ظلت لفترة طويلة خارج نطاق اهتمام شبكات التوزيع التقليدية. ويُعتبر هذا النهج التشاركي خطوة حاسمة نحو تحقيق استدامة أكبر للخدمة وتحسين جودتها بشكل عام.

 

نظام توزيع مبرمج وتكنولوجيا حديثة لمواجهة الجفاف

 

في سياق الجهود المبذولة لمواجهة التحديات المتزايدة المتعلقة بندرة المياه وتأثيرات التغيرات المناخية، قامت المصالح المسؤولة عن توزيع المياه في ولاية الجزائر باعتماد نظام توزيع مبرمج ومحكم، يهدف إلى تحقيق تزويد عادل ومنظم لمياه الشرب بين مختلف بلديات العاصمة. وقد ساهم هذا النظام بشكل فعال في تقليص حالات الانقطاع المفاجئ للمياه وتحسين مستوى ثقة المواطنين في الآليات المعتمدة لتسيير قطاع المياه.

 

بالإضافة إلى ذلك، تم إدراج التكنولوجيا الحديثة بشكل تدريجي ضمن منظومة المتابعة والتحكم في شبكة المياه. فقد شرع في استخدام العدادات الذكية في بعض الأحياء السكنية بهدف مراقبة كفاءة استهلاك المياه من قبل المشتركين والكشف المبكر عن أي تسربات محتملة في الشبكة. وقد أتاحت هذه التقنية المتقدمة تقليص نسبة الفاقد من المياه وتحسين الأداء العام للشبكة بشكل ملحوظ.

وتجدر الإشارة إلى أن العاصمة الجزائرية قد شهدت أزمة مائية حادة خلال صيف عام 2021، وذلك نتيجة للانخفاض الكبير في منسوب المياه في السدود الرئيسية المغذية للعاصمة بسبب قلة الأمطار وشح الموارد المائية. وقد دفعت هذه الأزمة السلطات إلى تسريع وتيرة إنجاز مشاريع تحلية مياه البحر وتكثيف الجهود لتأمين مصادر بديلة ومستدامة للمياه.

 

استثمار في السدود وتعزيز مرونة التوزيع

 

لتعزيز الأمن المائي على المدى الطويل وضمان تلبية الاحتياجات المستقبلية من المياه، باشرت الحكومة الجزائرية بتنفيذ خطة واسعة النطاق تهدف إلى بناء سدود جديدة ذات قدرات تخزينية كبيرة وتوسعة سدود أخرى قائمة بهدف زيادة حجم المياه المتاحة. كما جرى ربط هذه المنشآت المائية الحيوية بشبكات المياه الكبرى، مما أتاح مرونة أكبر في عملية توزيع المياه بين مختلف الأحياء والبلديات التابعة للعاصمة، خاصة خلال فصول الجفاف التي تتسم بندرة الأمطار.

 

تحديات مستمرة وجهود متواصلة

 

على الرغم من هذه الجهود الكبيرة والمبادرات الهامة، لا يزال تلوث المياه الجوفية يشكل تحديًا كبيرًا يتطلب اهتمامًا مستمرًا. فالمياه الجوفية، التي تُعد مصدرًا مهمًا للإمداد المائي، تحتاج إلى معالجة دقيقة ومكثفة قبل إدخالها في شبكات التوزيع لضمان سلامتها وجودتها. ولذلك، تبقى الحاجة ملحة للاستمرار في تحسين أنظمة المراقبة والوقاية من التلوث للحفاظ على هذا المورد الحيوي.

 

حملات توعية لترشيد استهلاك المياه

 

إلى جانب الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية ومشاريع تحلية المياه، أطلقت ولاية الجزائر حملات تحسيسية واسعة النطاق تستهدف جميع فئات المواطنين بهدف تشجيعهم على تبني سلوكيات مسؤولة وترشيد استهلاك المياه، خاصة في الفترات الحرجة التي يشتد فيها الطلب على المياه. فالحفاظ على المورد المائي الثمين هو مسؤولية مشتركة تتطلب تضافر جهود الجميع، من مواطنين ومؤسسات، لضمان استدامته للأجيال الحالية والمستقبلية. وقد شملت هذه الحملات استخدام مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر الوعي بأهمية الحفاظ على المياه وتقديم نصائح عملية للمواطنين حول كيفية تقليل استهلاكهم اليومي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *